الاثنين

و في السماء رزقكم وما توعدون

العم علي أحد الغلابة الكثيرين الذين انهارت بيوتهم في الزلزال الكبير الذي شهدته مصر قبل عقدين من الزمان ...كان بيته عبارة عن غرفة واحدة تأويه وتضم زوجته وأولاده الأربعة، لم يكن بيتا كبيرا واسعا ، ولكنه مأوى يلجا إليه فيحميه في أيام الشتاء القارس ...وفي أيام الصيف القائظ من وهج الحر....وكان العم علي وأفراد أسرته يحمدون الله كثيرا على ما هم فيه من نعمة هي في أعينهم كبيرة....ولكن فجأة ودون سابق إنذار، وقع الزلزال....ليأخذ في طريقه معظم البيوت القديمة المتهالكة التي لم تستطع الصمود أمام سطوت الطبيعة التي لا ترحم الا ما رحم ربي ...ووجد العم علي نفسه وأفراد أسرته في الشارع بلا مأوى! وبدأت رحلة المعاناة الشديدة مع العم علي....أخذ يطوف على المكاتب الحكومية لعله يظفر بمن يدعمه ...ولكن الابواب أُوصدت في وجهه .... وظل يبحث عمن يوصله للقاء الوزير المختص لكي يشرح له حالته بحثا عن حلول ممكنة ...ولكن دون جدوىواضطرت الأسرة - مع غيرها من الأسر الكثيرة التي تضررت من الزلزال - للإيواء الى خيمة من القماش الخفيف الذي لا يمنع حرا ولا يصد بردا!! وأصبحت حياة هذه الأسر مزيدا من المعاناة والألم، ولم يعد العم علي يدري ما الذي يفعله من أجل الحصول على شقة أخرى، أو إن شئنا الدقة غرفة أخرى!!وفي أحد الأيام، حثته زوجته – أم محمود – على أن يذهب للحكومة مرة أخرى، فهي لم تعد تستطيع تحمل المعاناة اليومية لها ولأطفالها في ظل حياة الخيام .....حياة تصبح اصعب مع اطفال صغار ودورة مياه عمومية مشتركة تبعد عنهم مسافة كبيرة تقصدها اكثر من مره في اليوم وتنتظر في طابور طويل حتى يجيء دورها.....ذهب العم علي – ذو الستين عاما – إلى مبنى الوزارة للمرة التاسعة أو العاشرة كونه لم يعد يحسب عدد المرات التي ذهب فيها إلى الوزارة على وجه الدقة لكي يجد حلا لمشكلته.... ولكنه لم يجد هناك إلا الرد المعتاد " إن سيادة الوزير مهتم شخصيا بموضوعكم، ويتألم بشدة من الوضع الذي أصبحتم عليه الآن। ولكن للأسف، فالوزارة لم تجد بعد الحل الملائم لهذا الموضوع "لم يدر العم علي ماذا يفعل؟ وهو في طريق العودة اخذ يفكر بزوجته وأولاده الذين ينتظرون منه بارقة امل ...وشعر أنه لا يستطيع أن يرجع إليهم هذه المرة بخفيّ حُنين مثل كل مرة.....كان يسير في الشارع مهموما،سمع آذان الظهر، قرر أن يذهب إلى المسجد للصلاة...فرغ العم علي من الصلاة، ثم جلس في مكانه في الجامع، لم يستطع التحرك، كان يعرف أن في انتظاره عند رجوعه إلى" الخيمة " زوجته وأولاده ، الذين سوف يسألونه في لهفة مثل كل مرة ، بل ربما أشد في هذه المرة ، عما فعله لهم!! وضع العم علي خده على يده وجلس شاردا يفكر في حل لمشكلته التي طالما أرقته!!ولم يفق العم علي من همومه إلا ويدٍ تربت على ظهره، وصوت إمام الجامع يسأله عن حاله....!قائلا: خيرا إن شاء الله....! إنك تجلس هكذا منذ حوالي الساعة....!ما الذي أهمّك إلى هذا الحد....؟!أخذ العم علي يقص على إمام الجامع قصته وهو يغالب دموعه التي أخذت تنهال على وجنتيه.... وبعد أن فرغ من قصته ، بادر الإمام بالسؤال: ألا تدري من يكون عنده شقة لي تأويني وتأوي زوجتي وأولادي؟ أو من يتوسط لي لدى ذوي النفوذ لكي يعطيني شقة؟قال الإمام في صوت ملؤه الإيمان العميق: نعم اعلم!!فسأله العم علي متلهفا: ومن يكون؟!!قال إمام الجامع: الله!!!الله عنده مفاتيح الرزق جميعها.... قم وصلي لله في جوف هذه الليلة وابتهل إليه أن يعطيك من رزقه الواسع، وسوف تجد الحل إن شاء الله.....قال إمام الجامع بصوته العميق: الله عنده كل شيء، وسوف يرزقك من فضله إن شاء....كل ما عليك أن تصدُق الله في سؤالك، وتدعوه في جوف الليل!! ألم تسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه، والذي فيه أن ربنا تبارك وتعالى ينزل نزولا يليق بجلاله وكماله، إلى السماء الدنيا كل ليلة إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه، فيقول سبحانه : هل من سائلٍ فأعطيه ، هل من داعٍ فأجيبه، هل من مستغفرٍ فاغفر له؟ وذلك حتى ينفجر الصبح....خرج العم علي من الجامع إلى خيمته، واجه أفراد أسرته هذه المرة بوجه غير الذي كان يأتيهم بهم في كل مرة، أحست أم محمود هذه المرة بالتغير الذي حدث للعم علي....وسألته: لعلك وجدت حلا أخيرا لمشكلتنا؟فرد عليها العم علي قائلا: نعم ان شاء الله سوف نصلي في جوف هذه الليلة، ونطلب من الملك الذي لا تنفذ خزائنه شقة، وسوف يعطينا الله إن شاء ما نريد....كم حاولت أن أقابل أحد المسئولين لكي أشرح له قصتي دون جدوى، فاليوم سوف أقابل ملك الملوك في جوف الليل وأحكي له قصتي إن شاء الله....أحست أم محمود بنبرة الثقة التي تعلو صوت زوجها، فأيقنت أن الله لابد سيعطيهم ما يريدون، وعزمت على أن تقيم صلاة الليل مع زوجها هذه الليلة....أما إمام الجامع، فبعد أن خرج العم علي من عنده، جلس يفكر ما الذي يمكن أن يفعله للعم علي. وأخذ يدعو الله أن يحل مشكلته.... وفي تلك الأثناء، دخل الجامع أحد وجهاء الحي الذين يعرفهم هذا الإمام....وبعد أن فرغ من صلاته، توجه إليه قائلا: لقد بنينا العمارة الكبيرة الموجودة في آخر هذا الشارع، وكنا متوقعين أن نحقق منها ربحا بسيطا. ولكن الله منّ علينا، فحققنا أضعاف ما كنا نأمله. ولذلك فقد قررنا أن نخصص شقة في سبيل الله لأسرة أحد الفقراء....خذهذه مفاتيح الشقة॥!!وهذا هو عقدها ، واختر أنت بنفسك أحد الفقراء ليكون مالكها!!!وفي اليوم التالي ، أخذ إمام الجامع يبحث عن العم علي بين المصلين... فلما وجده، توجه إليه:- السلام عليكم يا عم علي ،هل صليت في جوف الليل ودعوت الله أن يرزقك الشقة؟فرد عليه العم علي: نعم فصاح إمام الجامع: إذن أبشر! فقد استجاب الله لدعائك ورزقك الشقة التي تريد....وقص عليه إمام الجامع قصة الشقة،ولم يصدق العم علي نفسه، وأخذت دموعه تنهال على جبينه ، وخر ساجدا شكرا لله تعالى وأخذ يتمتم بكلمات الشكر لله رب العالمين على رزقه الواسع، وصدق الله سبحانه إذ يقول: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ [ الذاريات: 22-23 ] .

ليست هناك تعليقات: